محمد صلى الله عليه وسلم بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعدنان من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. وأخواله من بني زهرة، لأنّ أمّه آمنة بنت وهب كانت منهم. ويلتقي نسبه ³ بنسبها عند كلاب بن مرة. فهو خيار من خيار من خيار. نبي الله وخاتم رسله وأنبيائه إلى العالمين.
ولادته. ولد محمد ³ بمكة يتيم الأب، في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570م).
كفالته. مات والده وهو جنين عمره شهران، وعند ولادته، كفله جده عبدالمطلب. وماتت والدته عندما بلغ السادسة. ومات جده عبدالمطلب عندما بلغ الثامنة من عمره، فكفله عمه أبوطالب، وظل في رعايته إلى أن توفي قبل الهجرة إلى المدينة بنحو ثلاث سنوات.
رضاعه. جملة ما قيل أن من أرضعنه عشر نسوة، أشهرهن: ثويبة (جارية عمه أبي لهب) وحليمة بنت أبي ذؤيب السعدية.
أسماؤه. عُرف ³ بأسماءكثيرة، أوصلها أحد العلماء إلى خمسمائة اسم، غير أنّ كثيرًا منها لم يثبت بأسانيد صحيحة. ومن أسمائه الثابتة: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفى ونبي الرحمة ونبي الملاحم والبشير والنذير ورحمة العالمين. وقد سُمي بعض العرب باسم محمد لما شاع قبيل ميلاده من أن نبيًا اسمه محمد سيبعث.
كنيته. كني رسول الله بأبي القاسم، وأمر أن نسمي باسمه ولا نكني بكنيته في حياته. كناه جبريل بأبي إبراهيم، ولكنه عزّ عليه أن تطغى هذه الكنية على كنيته التي عرف بها.
سفره إلى الشام وزواجه من خديجة. عندما بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، سافر الرسول ³ مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام. والتقى في هذه الرحلة بالراهب بَحِيرَى بمدينة بصرى الشام، فعرفه الراهب بصفته التي عرفها في كتب أهل الكتاب. ومما قاله عنه: هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقيل له: وما علمك بذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه، وحذر عمه من الذهاب به إلى أرض الروم، حيث يتربصون به لقتله، فرده عمه إلى مكة. ثم خرج ثانية إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد، مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من أحواله، فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وله من العمر خمس وعشرون سنة ولها من العمر أربعون سنة. وقد تزوجت (رضي الله عنها) قبله من رجلين، أنجبت من أحدهما ولدًا وبنتًا، ومن الآخر بنتًا.
إرهاصات نبَّوته. من أهم الإرهاصات الدالة على نبوته قوله عليه الصلاة والسلام : (...أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ) رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح. ولما ولدته، وضعته، كعادة الجاهليين، تحت بُرْمَة (قِدْر). فلما أصبحت، وجدت أن البرمة قد انفلقت جزءين، وعيناه إلى السماء، فتعجب الناس من ذلك. وفي يوم مولده، قال يهودي لقريش:" ولد فيكم هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة، فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس..." ووجدت قريش الصفة التي ذكرها اليهودي. وعندما أخذته حليمة السعدية لترضعه، در ثدياها اللبن أكثر من المعتاد، فارتوى منه محمدٌ وابنها الذي كان يبكي من الجوع لجفاف ثديي أمه. وامتلأ ضرع راحلتها باللبن بعد أن كان يابسًا، فشبعت منه مع زوجها. وأضحت راحلتها نشطة قوية، تسير في مقدمة الركب، بعد أن كانت عاجزة تسير في مؤخرة الركبان. وحيثما حلت، كانت أغنام حليمة تجد مرعىً خصبًا، فتشبع وتحلب كثيرًا، ولا تجد أغنام غيرها شيئًا. وكان محمد ينمو نموًا سريعًا، لا يشبه نموه نمو الغلمان. طهره الله من دنس الجاهلية وحماه من عبادة الأوثان ومنحه كل خُلق جميل، حتى عرف في الجاهلية باسم الصادق الأمين.
رعيه الغنم في صباه. قال عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) رواه البخاري.
مشاركته في بناء الكعبة ووضعه الحجر الأسود في مكانه. لما بنت قريش الكعبة إثر تهدمها بالسيل، قبيل مبعثه ³ بخمس سنوات، كان يشارك في البناء بحمل الحجارة إلى البنائين. وعندما وصل البناء إلى موضع الحجر الأسود، اختلف الناس فيمن يضعه في مكانه، وكادت الحرب تقع بين بطون قريش، وارتضوا في النهاية أن يحكِّموا أول من يطلع عليهم، فطلع عليهم محمد عليه الصلاة والسلام، فارتضوه حكمًا لصدقه وأمانته، فوضعه على ثوب، رفعت كل قبيلة ناحية منه، ثم تناوله ³ ووضعه في مكانه.
مبعثه ³. جاءه جبريل بأول سورة من القرآن، سورة العلق، في رمضان من العام الأربعين لمولده وهو يتعبد في غار حراء، فقطع خلوته وعاد مرتعدًا إلى زوجته خديجة، فثبتته وبشرته بالنبوة، وأخذته إلى قريبها النصراني ورقة بن نوفل ـ الذي انتهى إلى النصرانية وهو يبحث عن الدين الحق ـ فأكد على ما قالته وصدقه، وتمنى لو كان شابًا قويًا لينصره حين ظهوره. وانقطع الوحي مدةً قصيرة، ثم أنزل الله عليه سورة المدثر، وفيها أمره الله سبحانه وتعالى أن يدعو قومه إلى الإسلام، ثم تتابع نزول الوحي حتى وفاته. وكان أول من استجاب له من الرجال صاحبه أبوبكر، ومن النساء زوجته خديجة، ومن الصبيان ابن عمه علي، ومن الموالي مولاه زيد بن حارثة. وقد أسلم بدعوة من أبي بكر جماعة، منهم: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وأبوسلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم. وكان عليه الصلاة والسلام يلتقي بأصحابه سرًا في دار الأرقم إلى حين إسلام عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام، فانتقلت الدعوة إلى مرحلة الجهر.
دعوته. دعا ³ الناس إلى عبادة الله وحده دون سواه وإلى إفراده سبحانه بالألوهية والربوبية، كما دعا إلى محاربة كل أنواع الكفر والشرك، ظاهره وخفيه، وإلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وإلى إقامة أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام (من استطاع إليه سبيلاً). وكان ³ خلقه القرآن، يطبقه في تعامله وعبادته وجهاده، وفي مختلف جوانب حياته، وربَّى أصحابه على ذلك.
كما تميز الرسول في خلقه باليسر والسماحة، والعفو عمن آذاه، وبالإنصاف، والتواضع والأمانة والعدل، وبالشجاعة والصبر. اجتمعت فيه كل فضائل الخير وخصاله، وبرئت نفسه من كل صفات الشر وخصاله.
ولقد بُعث كل نبي لأمة بعينها وفي زمن بعينه، أما دعوته فكانت للعالمين في كل زمان وكل مكان إلى قيام الساعة، قال تعالى: ﴿قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا﴾ الأعراف: 158. وقال تعالى: ﴿وماأرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾ الأنبياء: 107. وهي دعوة تشمل جميع مناحي الحياة، صغيرها وكبيرها، بما ينفع الإنسانية في الدنيا والآخرة.
التعذيب والهجرة إلى الحبشة. تحمل المستضعفون من المسلمين الأوائل القسط الأكبر من تعذيب قريش بمكة ليصدوهم عن الإسلام، خصوصًا بلال بن رباح وأمه حمامة وخباب بن الأرتّ وآل ياسر (ياسر وابناه عمار وعبدالله وأمهما سمية بنت خياط). أصاب أبوجهل سمية رضي الله عنها بحربة في مقتل، وهي تحت التعذيب. ومات ياسر من أثر التعذيب، وذهب بصر زنيرة. وكان أبوبكر يشتري المعذبين من الموالي ويعتقهم، منهم: بلال وأمه وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها ولبينة ـ جارية بني عدي.
وعندما اشتد البلاء بالمسلمين، أذن لهم الرسول ³ بالهجرة إلى الحبشة. هاجر في المرة الأولى اثنا عشر رجلاً وخمس نسوة (على الأرجح) وفي المرة الثانية، هاجر ثلاثة وثمانون رجلاً وتسع عشرة امرأة.
أساليب المشركين في محاربة الإسلام. كان من أبرز هذه الأساليب: محاولة التأثير على عمه أبي طالب ليكفه عن دعوته؛ وجهوا له الاتهامات الباطلة، إذ اتهموه بالجنون والسحر والكذب والإتيان بالأساطير، كما زعموا أن القرآن من عند البشر؛ سخروا منه وشوّشوا عليه حينما كان يقرأ القرآن، ساوموه على ترك الدعوة؛ بالإضافة إلى السب والترغيب والترهيب والاعتداء الجسدي والمقاطعة العامة، ومحاولة قتل الرسول ³ ليلة الهجرة وشن الحرب عليه بالمدينة، وواجههم الرسول والمسلمون في معارك بدر وأحد والخندق وحنين.