أختاه :
أرأيت كيف تخلى عنك كل شيء في هذه الحياة الدنيا . أين أبوك ؟ أين أمك ؟ أين زوجك ؟ أين أخوك ؟ أين أخيك ؟ أين زميلاتك؟ أين صديقاتك وجليساتك ؟ أين مالك ؟ أين خروجك للأسواق ((إن الأسواق هي أبعض البقاع إلى الله والشيطان ينصب رايته فيها وهي مواطن الفتن)) أين الفساتين ؟أين المساحيق ؟ أين السهرات ؟ أين العكوف على الفضائيات ومتابعة الأفلام والمسلسلات ؟ وسماع الأغاني (مزامير الشيطان) أين المجلات ومتابعة الموضة والموديلات ؟ أرأيت الجميع قد تخلى عنك ، وأصبحت رهينة عملك في قبرك : {كل نفس بما كسبت رهينة (38)} [المدثر] .
أين الدنيا بأسرها ؟ أين الدنيا وأهلها ؟
يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل
القيامة
قال تعالى : {ونفخ في الصور فإذاهم من الأجداث إلى ربهم ينسلون (51)}
[يس] .
يوم القيامة يوم الطامة ، يوم الحسرة والندامة ، يوم يشيب من هوله الوليد.
قال تعالى : {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (2)} [الحج] .
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ويوم يقوم الناس لرب العالمين
قال تعالى : {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً (111)} [طه] .
أختاه :
هذا اليوم طالما غفلنا عنه في هذه الحياة الدنيا فقليلاً ما نذكره ، وإذا ذكرناه لا ترق لهوله القلوب ، ولا تدمع لطوله وأجله العيون ، جفت الدموع ، وقست القلوب وما ذاك إلا بسبب الغفلة وطول الأمل واستحقار الذنوب فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني
ويوم القيامة هو والله وبالله ، و تالله يوم تخافه الملائكة ، والأنبياء ، والمرسلون والمؤمنون
قفي أختاه وتدبري هذه الآيات التي والله إنها لتقرع القلوب قرعًا :
قال تعالى : {إذا الشمس كورت (1) وإذا النجوم انكدرت (2) وإذا الجبال سيرت (3) وإذا العشار عطلت (4) وإذا الوحوش حشرت (5) وإذا البحار سجرت (6) وإذا النفوس زوجت (7) وإذا الموءودة سئلت (
بأي ذنب قتلت (9) وإذا الصحف نشرت (10) وإذا السماء كشطت (11) وإذا الجحيم سعرت (12) وإذا الجنة أزلفت (13)}[التكوير]. (يراجع تفسير الآيات) .
هل تخيلت في ذلك اليوم العصيب ، الشمس فوق الرؤوس قدر ميل ، والناس بحسب ذنوبهم من العرق ؟
عن المقداد – رضي الله عنه _ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل" قال سليم بن عامر الراوي عن المقداد : فو الله ما أدري ما يعني بالميل ، أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين ، قال : "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، منهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا" قال : وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه . رواه مسلم .
أختاه : اقرئي هذه الآيات ثم سلي نفسك بعدها .
قال تعالى : {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً (25) الملك يومئذٍ الحق للرحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا (26) ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً (27) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلاً (28) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً (29)} [الفرقان] . (يراجع تفسير الآيات) .
أخيه تدبري : نزول الملائكة ، وتطاير الصحف ، والميزان ، وضرب الصراط على متن جهنم والناس حفاة عراة . أقول : سلي نفسك ماذا أعددت لهذا اليوم ؟؟
فتخيلي عندما ينادى على اسمك على رؤوس الخلائق . أين فلانه بنت فلان ؟ وأنت تعلمين أنك المقصودة والمطلوبة ، أنت لا غيرك ، لا اشتباه في الأسماء ، والأنساب .
قال تعالى : {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا (95)}[مريم] .
فما شعورك عندما تتخطين الصفوف والملائكة قد أتت بك ؟ قال تعالى : {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد (21)}[ق] .
ما شعورك وأنت قد أوقفت أمام الجبار ؟ أمام الواحد القهار ، أمام الملك ، أمام رب العالمين ، الذي هو مطلع على كل كبيرة وصغيرة لا تخفى عليه خافية . قال تعالى : {يومئذ تغرضون لا تخفى منكم خافية (18)}[الحاقة] . وما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان
ماذا تقولين إذا سألك عن امرك ماذا عملت فيه في هذه الحياة الدنيا ؟ قال تعالى :
{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون (115) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم (116)}[المؤمنون] .
ألم يمتن عليك ويختارك من بين البشر ويجعلك موحدة في قلبك : لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقد حرم منها الكثير ، الكثير من الشر ، وكفى والله بها من نعمة ، كفى بالإسلام نعمة وفضلاً ومنة نسأل الله – سبحانه وتعالى – الثبات على هذا الدين العظيم .
ألم يخلقك من العدم ؟ وأسبغ عليك سائر النعم ؟ ألم يرزقك نعمة السمع ، والبصر ، والصحة ، والمال ، والأهل والأولاد ، وقد حرم منها الكثير ؟
نعم عظيمة وآلاء جسيمة لا تعد ولا تحصى فلله الحمد في الأولى والآخرة
يا أختاه : أعلمي أن الله يفرح بتوبة عبده فما ذا تنتظرين ؟
يا من لا تصلين :
كيف تجرأت على مخالفة أمره ولا تجيبين دعوته وأنت لا تخرجين عن قبضته ولا تستغنين عنه طرفة عين .
أما حذرك وأنذرك ، أما دعاك وأمرك ، أما وهبك الصحة والقوة ، أما أعطاك المال وأغناك ، أما أمهلك وحثك فما بالك لا تجيبين دعوته .
يا من تصلين :
هل تؤدي الصلوات الخمس ف وقتها خاشعًا بها قلبك مطمئنة بها جوارحك لأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر (ذلك هو الخسران المبين)
ماذا تقولين لربك إذا سألك عن حجابك ؟ هل أنت ممن يحافظن على حجابهن الشرعي ويتقين الله فيه ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ؟
أم أنت ممن خالفت وعصت أمر ربها وأطاعت شياطين الجن والإنس وانقادت وراءهم وتسمع كلامهم ، العباءة فوق الكتفين مطرزة ومجملة ، فاتنة جاذبة للأنظار ، النقاب الذي اتسع شيئًا فشيئًا حتى بدت الخدود ، وكحلت العيون ، والبطال (البنطلون) الذي انتشر انتشار النار في الهشيم ، الفساتين المفتوحة الجانبين إلى الفخذين ، غطاء الوجه الشفاف الذي يصف المفاتن ، كثرة الخروج والتردد على الأسواق بسبب وبدون سبب ، الحديث مع الباعة بكلام لين ناعم وابتسامات ساحرة ، الخلوة المحرمة مع السائقين وغيرهم من الرجال الأجانب في الأسواق وغيرها ، الاستهزاء بالدين والصالحين والصالحات ، الغفلة وطول الأمل ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ماذا تقولين لربك ؟ ما إجابتك ؟
إن كتاب أعمالك يشهد عليك أو يشهد لك فأعدي للسؤال جوابًا وللجواب سوابًا ، واعلمي علم اليقين ، أن الذي ينتظرك إما جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . أو نار قعرها بعيد ، وحرها شديد أماني أهلها الموت فيها أودية من النار لو سيرت فيها جبال الدنيا لذابت من حرها . فاختاري لنفسك أي الطريقين تسلكين فريق في الجنة وفريق في السعير .
أبشري أختاه … أبشري … أبشري بهذه البشارة من رب العالمين من أرحم الراحمين .
قال تعالى : {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر
الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم (35) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون (54)} [الزمر]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لله‘ أشد فرحًا بتوبة عبده" رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الله غز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
ماذا تنتظرين ؟ ماذا تنتظرين ؟
قال تعالى : {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} (16) [الحديد] .
هل تؤجلين التوبة حتى تبلغي سمن الستين أو السبعين فمن الذي يضمن لك أن تبلغي ذلك السن ؟ هبي أنك بلغتي سن الستين أو السبعين هل توفقين للتوبة أو يحال بينك وبينها ؟
لا تقولي غدًا أتوب فقد لا تدركي الغد ، لقد رأيت شمس هذا اليوم فقد لا تشرق عليك شمس هذا اليوم فقد لا تشرق عليك شمس غد .
أختاه : احمدي الله – سبحانه وتعالى – أنك لا تزالين تعيشين إلى هذه اللحظة ولست من أهل القبور فكل يوم تعيشينه في هذه الحياة الدنيا هو والله مكسب لك ، إما أعمال صالحات تقربك إلى الله وإما ذنوب آثام تتخلص منها ، فما ظنك أن أصحاب القبور يتمنون ؟ فهل يتمنون الرجعة للدنيا لأجل الأموال ، والدور ، والقصوى ؟ لا والله إنهم يتمنون الرجعة إلى هذه الحياة الدنيا تسبيحه ، أو تهليله ، أو تكبيرة ، أو سجدة تكتب في صحيفة أحدهم لما رأوا وتيقنوا من الثواب العظيم ، فلا تغتري بصحتك وشبابك ، ومالك ، وحسبك ، وقبيلتك ، ولا تغتري بحلم الله عليك فتداركي رحمك الله ما بقي من عمرك ، فاليوم عمل بلا حساب ، وغدًا. والأنفاس معدودة فبادري بالتوبة الصادقة النصوح وتخلصي من الذنوب والأثام وأعلمي أن التوبة تجب ما قبلها ، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وأن السيئات تبدل حسنات فابدئي صفحة جديدة بيضاء مشرقة ، وميلادًا جديدًا وحياة سعيدة ، واعلمي أن لك ربًا غفورًا يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ، أعانك الله ووفقك ، ويسر أمرك في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيما (70) ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابًا } (71) [الفرقان] .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"اغتنم خمسًا قبل خمس : حياتك وصحتك سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك "صحيح الجامع الصغير (8801) .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،،،