--------------------------------------------------------------------------------
إن مرض ضعف الإيمان له أعراض، ومظاهر متعددة، منها:
1- الوقوع فــي المعاصي وارتكــــاب المحرمات:وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلـــى تحولها عادة مألوفة، ثم يزول قبحها من القلب تدريجياً حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث: [ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ] رواه البخاري ومسلم.
2- الشعور بقسوة القلب وخشونته: حتى ليحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يترشح منه شيء ولا يتأثر بشيء، والله يقول{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [74] سورة البقرة وصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة الموت، ولا رؤية الأموات ولا الجنائز، وربما حمل الجنازة بنفسه وواراها بالتراب، ولكن سيره بين القبور كسيره بين الأحجار.
3- عدم إتقان العبادات: ومن ذلك: شرود الذهن أثناء الصلاة وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار، فيقرؤها بطريقة رتيبة مملة، هذا إذا حافظ عليها، ولو اعتاد أن يدعو بدعاء معين في وقت معين أتت به السنة، فإنه لا يفكر في معاني هذا الدعاء والله سبحانه وتعالى: [لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ] رواه الترمذي وهو في السلسة الصحيحة 594 .
4- التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها: وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها، وقد وصف الله المنافقين بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [142] سورة النساء . ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر، فهو راغب عن الأجر، مستغن عنه على النقيض ممن وصفهم الله بقوله:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [90] سورة الأنبياء .
5- ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع:حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به، فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء، ويشعر بالضيق من تصرفات الناس حوله وتذهب سماحة نفسه، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بقوله: [الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ] رواه أحمد، وهو في الصحيحة رقم 554. ووصف المؤمن بأنه: [الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ]السلسلة الصحيحة رقم 427 ورواه أحمد.
6- عدم التأثر بآيات القرآن: لا بوعده ولا بوعيده، ولا بأمره ولا نهيه، ولا في وصفه للقيامة، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته، فكلما فتح المصحف؛ كاد أن يغلقه .
7- الغفلة عن الله عز وجل في ذكره ودعائه:فيثقل الذكر على الذاكر، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي، وقد وصف الله المنافقين بقوله: { وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [142] سورة النساء .
8- عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله: لأن لهب الغيرة في القلب قد انطفأ فتعطلت الجوارح عن الإنكار فلا يأمر صاحبه بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يتمعر وجهه قط في الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله: [ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا- أي: دخلت فيه دخولاً تاماً- نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ- أي: نقط فيه نقطة حتى يصل الأمر إلى أن يصبح كما أخبر عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث - أَسْوَدُ مُرْبَادًّا - بياض يسير يخالطه السواد- كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا - مائلاً منكوساً- لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ]رواه مسلم وأحمد . فهذا زال من قلبه حب المعروف وكراهية المنكر واستوت عنده الأمور فما الذي يدفعه إلى الأمر والنهي؟
9- ومنها حب الظهور: وهذا له صور منها:
- الرغبة في الرئاسة والإمارة وعدم تقدير المسئولية والخطر: وهذا الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: [ إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ] رواه البخاري والنسائي وأحمد . وقوله: [فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ] أي: أولها؛ لأن معها المال والجاه واللذات، وقوله وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ] أي: آخرها؛ لأن معه القتل والعزل والمطالبة بالتبعات يوم القيامة. ولو كان الأمر قياماً بالواجب وحملاً للمسئولية في موضع لا يوجد من هو أفضل منه مع بذل الجهد والنصح والعدل كما فعل يوسف عليه السلام إذاً لقلنا أنعم وأكرم، ولكن الأمر في كثير من الأحيان رغبة جامحة في الزعامة، وتقدم على الأفضل، وغمط أهل الحقوق حقوقهم، واستئثار بمركز لأمروالنهي .
- محبة تصدر المجالس والاستئثار بالكلام: وفرض الاستماع على الآخرين وأن يكون الأمر له، وصدور المجالس هي المحاريب التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [اتقوا هذه المذابح - يعني المحاريب - ] رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع 120 .
- محبة أن يقوم له الناس إذا دخل عليهم: لإشباع حب التعاظم في نفسه المريضة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من سره أن يمثل- أي ينتصب ويقوم- له عباد الله قياماً فليتبوأ بيتاً من النار] رواه البخاري في الأدب المفرد، وانظر:الصحيحة 357 . ومثل هذا النوع من الناس يعتريه الغضب لو طبقت السنة، فبدئ باليمين، وإذا دخل مجلساً فلا يرضى إلا بأن يقوم أحدهم ليجلس هو رغم نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: [ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ] رواه البخاري ومسلم والترمذي والدارمي وأحمد .
10- الشح والبخل: ولقد مدح الله الأنصار في كتابه فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ...[9] سورة الحشر وبين أن المفلحين هم الذين وقوا شح أنفسهم، ولا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح بل قال عليه الصلاة والسلام: [ لَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا] رواه النسائي: المجتبي وهو في صحيح الجامع. أما خطورة الشح وآثاره على النفس فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [ إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ] رواه أبو داود وأحمد وهو في صحيح الجامع . وأما البخل فإن صاحب الإيمان الضعيف لا يكاد يخرج شيئاً لله ولو دعى داعي الصدقة وظهرت فاقة إخوانه المسلمين وحلت بهم المصائب، ولا أبلغ من كلام الله في هذا الشأن قال عز وجل: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [38] سورة محمد .
11- أن يقول الإنسان ما لا يفعل: قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [3] سورة الصف . ولا شك أن هذا نوع من النفاق، ومن خالف قوله عمله صار مذموماً عند الله، مكروهاً عند الخلق، وأهل النار سيكتشفون حقيقة الذي يأمر بالمعروف في الدنيا ولا يأتيه، وينهاهم عن المنكر ويأتيه .
12- السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة: فيشعر بالسرور؛ لأن النعمة قد زالت، ولأن الشيء الذي كان يتميز عليه غيره به قد زال عنه.
13- النظر إلى الأمور من جهة وقوع الإثم فيها أو عدم وقوعه فقط: وغض البصر عن فعل المكروه، فبعض الناس عندما يريد أن يعمل عملاً من الأعمال لا يسأل عن أعمال البر وإنما يسأل: هل هذا العمل حرام أم أنه مكروه فقط ؟ وهذه النفسية تؤدي إلى الوقوع في الشبهات والمكروهات، مما يؤدي إلى الوقوع في المحرمات يوماً ما، فصاحبها ليس لديه مانع من ارتكاب عمل مكروه أو مشتبه فيه ما دام أنه ليس محرماً، وهذا عين ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ...]رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد- واللفظ لمسلم- .
14- احتقار المعروف، وعدم الاهتمام بالحسنات الصغيرة: وقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن لا نكون كذلك، فعن أبي جري الهجيمي قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ قَالَ: [ لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ] رواه أحمد وهو في الصحيحة.
15- عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها: بدعاء ولا صدقة ولا إعانة، فيكتفي بسلامة نفسه، وهذا نتيجة ضعف الإيمان، فإن المؤمن بخلاف ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ] رواه أحمد وهو في الصحيحة .
16- انفصام عرى الأخوة بين المتآخيين: يقول عليه الصلاة والسلام: [ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا] رواه أحمد وهو في الصحيحة . فهذا دليل على شؤم المعصية قد يطال الروابط الأخوية ويفصمها.
----------------------------------------
منقول،،،،،،،،،،،،،،،،،