الدليل الثالث: قوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }. (الأحزاب: 59).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة»(2). وتفسير الصحابي حجة، بل قال بعض العلماء إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، وقوله رضي الله عنه «ويبدين عيناً واحدة» إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة
والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين.
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة. قالت أم سلمة رضي الله عنها لما نزلت هذه الاية: «خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها»(3). وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن من أجل رؤية الطريق.
الدليل الرابع: قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْواَنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيداً }. (الأحزاب: 55).
قال ابن كثير رحمه الله: لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ }. الاية.
فهذه أربعة أدلة من القرآن الكريم تفيد وجوب احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب، والآية الأولى تضمنت الدلالة عن ذلك من خمسة أوجه.