الحمد لله الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة
والصلاة على محمد المصطفى صاحب النبوة والرسالة
وعلى آله وأصحابـه الهادين من الضلالة.
ثم أما بعد
جاء في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال الصحابة: يا رسول الله إنك لتداعبنا
قال (إني لا أقول إلا حقا) وفي رواية: (إني لأداعبكم)·
وجاء في صحيح الجامع أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول:
(يا زوينب، يا زوينب) مرارا تصغيرا لاسمها زيادة في الدعابة·
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حزام
وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية وكان النبي يحبه
وكان الرجل دميما، فأتاه النبي يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره وقال: (من يشتري العبد)، وجعل الرجل يحاول تخليص نفسه ويقول: أرسلني مَن هذا فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يبالي حين ألزق ظهره بصدر النبي الشريف، فقال زاهر بعد قول النبي (من يشتري العبد) يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا، أي لا اشترى لدمامتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لكن عند الله لست بكاسد) أو قال: (عند الله أنت غال)·
وقصة أخرى أنه جيء إلى النبي بصحن فيه تمر فأكل النبي منه وأكل معه الصحابة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى جوار النبي، فكان كلما أكل تمرة وضع النوى من جهة حتى إذا اجتمع منه الكثير قال: يا رسول الله آكلت كل هذا التمر؟
أي بحسب النوى، فنظر النبي إلى جهة عمر فلم يجد شيئا فقال:
(وهل أكلت التمر بالنوى يا عمر؟) فضحك الصحابة رضي الله عنهم·
من هذه الأخبار المسلية والقصص الطريفة يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه ويباسطهم ويضاحكهم، وبهذا اقتدى سلف الأمة وصالحوها ومن جاء بعدهم، حتى إن بعضهم جعل المزاح سنة إذا كان على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، قيل لسفيان بن عيينة: المزاح هجنة؟ قال: بل سنة
ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه·
قال ثابت بن عبيد: كان زيد بن ثابت رضي الله عنه من أفكه الناس في بيته
أي يمازحهم ويضاحكهم، فإذا خرج كان رجلا من الرجال·
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أجمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي رفّهوا عنها· وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المزاح بما يحسُن مباح
وقد مزح النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل إلا حقا·
ومن سلف هذه الأمة من رأى المزاح واجبا في بعض الأوقات أو الحالات
ومن بينها السفر، قال ربيعة الرأي: المروءة ست خصال:
ثلاثة في الحضر وثلاثة في السفر
ففي الحضر تلاوة القرآن وعمارة مساجد الله واتخاذ القِرى، أي الضيافة في الله
والتي في السفر: بذل الزاد وحسن الخلق وكثرة المزاح في غير معصية·
وخاتمة الأقوال ما قاله الخليل بن أحمد: الناس في سجن ما لم يمزحوا·