وهكذا يتضح لنا أن هذا الدليل الأخير (ورقة أنسطاسي السادية ) تشير أيضاً إلى أن مرنبتاح ليس هو فرعون الخروج.
من هذا نخلص إلى أن كل الاعتراضات التي أثيرت ضد نظرية أن رمسيس الثاني هو فرعون الخروج وعلى أساسها افترضوا أن مرنبتاح هو فرعون الخروج – هذه الاعتراضات بعد تفنيدها انقلبت إلى اعتراضات على نظرية مرنبتاح نفسها وأصبحت دلائل على صحة الرأي القائل بأن رمسيس الثاني هو فرعون التسخير وفرعون الخروج معاً، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من أن أصحاب هذه النظرية لم يستطيعوا أو بالأحرى لم يجتهدوا في الدفاع عنها.
لقد حاولت هذه الدراسة الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه وتمحيص الأدلة المقدمة على أوجهها المختلفة وأصبح الميزان الآن يميل لصالح النظرية التي تقول إن رمسيس الثاني هو فرعون التسخير وفرعون الخروج أيضاً. وإن كان البعض قد يرى فيما ذكر بعض الإطالة فما ذلك إلا لاقتناعنا بأن تحديد شخصية هذا الفرعون سيساعد على إبراز جوانب جديدة في قصة موسى عليه السلام كما أنه أثناء سرد القصة – ستتضح للقارئ أدلة أخرى – مستمدة من القرآن الكريم – تؤكد أن رمسيس الثاني هو – بلا شك – فرعون موسى ويكون في ذلك نهاية للجدل الطويل الذي دار حول هذا الموضوع.
مثال ذلك ملخص قصة هذا الفرعون التي وردت في سورة النازعات:
{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات 15-26].
فالفرعون طغى بأن سخر وعذب واستعبد بني إسرائيل وذبح أبنائهم، فذهب إليه موسى وأراه معجزات كثيرة عُبّر عنه جميعاً بلفظ الآية الكبرى فكذب الفرعون وراح يدعي لنفسه الألوهية فنكّل به الله في الدنيا بالإغراق في البحر وفي الآخرة له عذاب النار، والضمير في (فأخذه) عائد إلى (فرعون) الذي طغى فهو فرعون واحد من أول الأمر إلى آخره ونفس هذا المعنى يفهم من هذه الآيات من سورة الدخان:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان: 17-31].