* بخلاف سابقيه من الكتب، تحدى القرآن الكريم بالإبقاء على سفينة نوح، وأن ذلك يعد آيةً من آيات الله، فقد قال تعالى: { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) } [ القمر ].
سياق الآيات لا يحمل لبسًا أن الضمير في: { تَرَكْنَاهَا } يعود إلى السفينة فهي ذات الألواح والدسر، وهي التي جرت بأعين الله { جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ }.
* التفاسير
أغلب التفاسير فسرت الضمير في كلمة: { تَرَكْنَاهَا } المذكورة في الفقرة القرآنية السابقة على أنه يعود إلى السفينة، وذكروا ذلك نقلًا عن قتادة بأن الله تعالى أبقاها حتى رآها صدر الأمة الإسلامية، نجد ذلك في تفسير ابن كثير والطبري وغيرهما، الحق أن من هذه التفاسير ما رأى أن الضمير عائد على القصة نفسها والعبرة منها، مثل تفسير "في ظلال القرآن "، ومنها ما ذكر أن الضمير قد يعود على السفينة أو القصة أو جنس السفن؛ أي أبقى الله جنس السفن من بعد سفينة نوح تحمل الناس حتى يومنا، الرأي الأخير ذكره الألوسي وغيره.
أما أجمل ما كتب في هذا الأمر فنجده في تفسير " التحرير والتنوير " لابن عاشور الذي ذكر أن: " ضمير المؤنث - في كلمة { تَرَكْنَاهَا } - عائد إلى {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، أي السفينة. والترك كناية عن الإِبقاء وعدم الإِزالة "، ثم استشهد بقوله تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً} في سورة الذاريات ( 37 ) حيث عبر القرآن عن الإبقاء على بقايا قرى لوط الهالكة بالترك. ولقد أكد القرآن الكريم ذلك في موضع آخر: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 35 ]. يقصد قوم لوط أيضاً، ولقد ثبت بقاء بعض من قرى لوط، ولقد أكد القرآن الكريم أن الإبقاء والترك هنا لسفينة نوح في موضع آخر: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت: 15 ]. أي جعلنا السفينة وبقاءها معجزة يراها الناس.
* تحدي القرآن الكريم بالإبقاء على سفينة نوح يذكرنا بتحديه بالإبقاء على جسد فرعون موسى: { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً } [ يونس: 92]. وها نحن نجد جسده حتى اليوم.
اكتشاف السفينة:
• ولقد تم بالفعل اكتشاف بقايا سفينة نوح وطابعها – كما تنبأ القرآن الكريم – فوق جبل في بلاد الأكراد جنوب تركيا على بعد 8كم من حدود العراق، وذلك على يد بعثة علمية قادها عالما آثار أمريكيان هاويان هما: " رون وايات " ron wyatt و " ديفيد فاسولد " بعد عمل طويل منذ عام 1978م.
• ولقد تبين بالفعل أن لهذا الكشف ثمانية حقائق سنجدها تتطابق كلها مع ما ذكره القرآن الكريم.
1 – موقع السفينة:
مع أن القرآن الكريم لا يهتم عادة بالأسماء أو الأرقام – على العكس من التوراة الحالية – إلا أنه هنا ذكر اسم الموقع الذي بقيت فيه سفينة نوح وذلك للفصل بين كتب أهل الكتاب إذ تقول التوراة الحالية جبل " أرارات " وتقول التوراة الآرامية (الترجوم)(1) جبل " كاردو" أو الجودي، وقد شايعها في ذلك أدبيات البابليين القديمة(2) والميدراش Genesis rabba وكتاب "العاديات اليهودية" للمؤرخ اليهودي القديم "يوسيفوس" (3) ومن المعروف أن اليونانيين والرومان يسمون الكرد "كاردوك" أو "كاردوكي" كما سماهم السومريون جودي(4).وقد قال تعالى:{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: 76]، وهذا من هيمنة القرآن الكريم على كتب السابقين.
وقد انتصر القرآن هنا للنص الآرامي على النص العبري للتوراة ثم أتت الكشوف الأثرية الحديثة لتثبت ما ذهب إليه القرآن
ففي عام 1948م حدث زلزال في منطقة الجودي بجنوب تركيا جعل أرضًا مستوية كان يزرعها فلاح تركي ترتفع مظهرة شكل سفينة أو طابع سفينة كبيرة ويبدو أن الرجل أخبر صحفيًّا لم يكن أمينًا
ويبدو أنه أراد مجاملة الغرب فذكر أن هذا الفلاح واسمه "رشيد سرحان" قد رأى نصف السفينة مدفونًا في جليد جبل" أرارات" ( كما تقول التوراة الحالية ) فذهب مستكشفون أمريكيون إنجيليون ولم يجدوا شيئًا واستمر الحال على ذلك إلى أن التقط طيار صورة للموقع عام 1959م أظهرت أثر السفينة ووصلت الصورة إلى الصحف الأمريكية فتم تنظيم حملة للموقع بقيادة " رينيه نوربرجمن " وهو كاتب أمريكي مع "جون فان ديمان" وهو إنجيلي تليفزيوني معروف عام 1960م فبحثوا ونقبوا عن أخشاب - ولم يدركوا أنها مع الزمن تتصخر مع الاحتفاظ بشكل الخشب - لم يجدوها فغادروا إلى أمريكا وقالوا: هذا تكوين جيولوجي.
الحقيقة التاريخية مع القرآن إذًا لسببين:
أولًا: يستحيل أن يبقى أثر أو حتى حفرية لسفينة أو غيرها عند جبل أرارات؛ لانفجار بركان هذا الجبل عام 1840م وهو ما أثبتته بعثة علمية روسية
وأعلنته في أبريل 2005م، في وكالة: "إنترفاكس " للأنباء، وهي بعثة مركز كوزموبويسك للأبحاث العلمية "Cosmopoisk scientific research center". ومما ذكرته هذه البعثة أن ما ظن أنه أخشاب متحجرة من السفينة لم يكن سوى نباتات متحجرة بفعل النشاط البركاني سالف الذكر(5).
ثانيًا: وجدت بالفعل بعثة علمية أمريكية برئاسة "رون وايات " طابع السفينة كاملًا فوق جبل الجودي ( كما أسلفنا ).
وهذا كله ما أثبته هؤلاء الباحثون الذين ذكرناهم ناهيك عن فضائح عن التدليس للغربيين في هذا المجال أسهب فريق البحث هذا في فضحهم.
إذ طالما كشف عن كذب من يذهبون إلى جبل أرارت ومعهم أخشاب يزعمون بعد ذلك أنهم وجدوها في ذلك الجبل لينتصروا لرواية التوراة التي تبين عدم صحتها.
( المعلومات السابقة استقيناها من فيلم وثائقي بعنوان: Noah’s ark The Discovery of )
(أي " اكتشاف سفينة نوح " وقد صدر عام 1997م إنتاج: Knowledge 2020