تابع...
فمن ذا الذي تنبه لذلك فأعد العدة أكثر من صلاة الليل أكثر من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل أكثر من الصيام أكثر من الصدقة ، أيها الأخ الحبيب إنها فرصتك للنجاة فلا تفرط فيها قدم لنفسك بدلاًٍ من أن تقعد هناك رهين عملك تنتظر من يتصدق عليك من الأهل والأولاد والأحباب ولأقرباء ولا تدري هل يذكرون أم لا يذكرون ؟ وإذا أردت أن تعرف ذلك تأمل في حالك أنت مع من مات من أقربائك وأحبابك كم أهديت لهم في قبورهم بعد موتهم ؟ وهكذا من بعدك إن لم يكونوا أبخل منك بذلك عليك لما فتح على الناس من الشهوات والمغريات والملهيات والمشغلات ، أخي الحبيب يامن هو على موعد مع الموت إذا رأيت رجلاً ينتظر من الناس أن يعمروا له بيتاً بينما هو لا يسعى في عمارته ألا تطلق عليه بأنه عاجز ، وقد يجد من يبني له وقد لا يجد وقد سمى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه من يفرط في الإعداد لسكرة موته بالعاجز يوم أن قال فيما أخرجه الترمذي: ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))(7). فكن يا رعاك الله ممن يبني بيت سعادته في الآخرة بنفسه قدم لنفسك قبل أن تفجأك السكرة وتذرف العبرة أعمل ليوم تضحك فيه وكل من حولك يبكي أحرص على أن تجعل لنفسك نهراً جارياً من الحسنات يصب بعد موتك في موازين حسناتك وأفضل طريق لذلك الدعوة إلى الله الدلالة على سبل الخيرات فأنت لو علمت رجلاً آية من كتاب الله وظل يتلوها ويعلمها الناس كان ذلك في ميزان حسناتك إلى يوم القيامة قإن لم تكن تجيد ذلك فادعم حلقات تحفيظ القرآن بما تستطيع تكسب أجرها ، علم ما تستطيع من العلم فإن لم تستطع ذلك فاطبع الكتب و المطويات النافعة أو ابتاعها واهدها للناس ، قم بتوزيع الأشرطة الإسلامية المؤثره وانشرها في المجتمع فرب رجل واحد استفاد منها فعاد إلى ربه وأناب وأصبح داعية إلى الله فكسبت أجره أفعل ذلك وأنا ضامن لك بأجرك العظيم المتصل من عند الله ثقة بما أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى يوم أن قال فيما أخرجه مسلم في الصحيح : ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ))(
. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}(9).
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى ولاند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله المجتبى ونبيه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار الحنفاء .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وأعدوا لسكرة الموت عدتها وما ذكرته في الخطبة الماضية ليست هي قصة شاب بعينه أو شخص بذاته هي ليست قضية الشباب وحدهم بل هي قضيتنا جميعاً شباناً و شيباً ذكوراً وإناثاً لابد أن نتذكر دائماً بأننا معرضون في أي لحظة لأن يتخطفنا الموت وننتقل إلى الدار الآخرة كيف لا وهذا خير البشرية يخاطبه ربه فيقول له : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ}(12). فلا يغتر ذا جاه وسلطان بجاهه وسلطانه فهذا فرعون أخذه الله وهو في قمة عزه وسلطانه ، ولا يغتر ذا مال بماله فهذا قارون أخذه الله وهو في قمة غناه وماله ، ولايغترن صحيح بصحته ولا قوي بقوته ولا شاب أو شابة بشبابهما فالموت حقيقة لا بد لكل حي من خلق الله منها فعليكم أحبتي بوصية نبيكم وحبيبكم لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في صحيح البخاري قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))(13).
أيها الأحبة في الله لنكن صرحاء مع أنفسنا كم مرة في اليوم نذكر الموت أم أنه لا يخطر لنا على بال ؟ كم مرة نزر المقابر للاعتبار؟ أم أنا نزورها فقط إذا كانت هناك جنازة قريب أو صديق لتأدية الواجب، هل ربينا أنفسنا وأزواجنا وأولادنا على الاستعداد لتلك اللحظات،أيها الأحبة في الله إني أناديكم من هذا المكان المبارك وفي هذا الزمان المبارك أن نتوب إلى الله وأن ننخلع من جميع ما مضى من ذنوب وعصيان وأن نفتح صفحة جديدة نملؤها بإذن الله طاعة وتقوى فهيا بنا قبل أن تبرد منا القدمان وتيبس اليدان وينعقد اللسان وتجحض العينان و يغلق باب التوبة فنصيح ونتألم ونندم ولكن وقتها لا ينفع الندم.
-----------
([1]) الجمعة:8.(2)ق:19.(3)المؤمنون:99-103.(4)الأنعام:94.(5)مسلم،الوصية،ح3084.(6)النحل:97.
(7) الترمذي:كتاب صفة القيامة،2383.(
مسلم،الإمارة،ح3509.(9)غاقر:40 (11) الفرقان:27-29.(10)الكهف:28.(12)الأنبياء:34.(13)البخاري،الرقاق،ح5937.
سكرة الموت
الدكتور عصام بن هاشم الجفري