قصة حياة الشاعر والملك الضليل امرؤ القيس
الملك الضليل
كثيرا ما يظلم التاريخ الشعر و الشعراء
والتاريخ يظلم عند ما يزور و يمسخ يشوه اذ يسهب
ويشوه اذ يؤرخ للمواهب الخلاقة ومركزا
واكثر ما يؤثر مع هذا ان تجد الشعر العربي عامة وما وصلنا من عصور الجاهلية
بخاصة قد بتر و تفكك على غير هداية او على غير امانة في حفظ او رواية
ويزداد عجبك عندما تعلم ان البرامج التي يدرسها طلابنا غالبا ما تاتي الحقيقة
الادبية مشوهة معها فقليلا ما يستطيع الطالب او الدارس ان ياخذ فكرة صحيحة
عن واقع الادب العربي او ان يتعرف الى شخصياته الادبية في مرتكزاتها الروحية والفكرية الاصلية
فدراسة امرئ القيس مثلا الشاعر الجاهلي تبقى هزلية مبتورة اذا ما حددناها بالمعلقة او ببعض اخبار حياته
الاهية مهملين القسم الاكبر من شعره و الجوانب الحية من حياته وما لها علاقة بحياة الناس من حواليه
وحياة الملك الضليل سلسلة متتابعة الحلقات بدات لا هية و انتهت قادرة رصينة واعية
كان اصغر اخوته نما و ترعرع في احضان النعمة و الجاه ووالده حجر ملك بني اسد وغطفان
وقتل ابوه فحمله همه و المطالبة بالثار من قاتليه و قتل اربعون من قومه
اليس اياهم يعني عمرو بن كلثوم عندما يقول في معلقته
فابوا بالنهاب و بالسبايا
وابنا بالملوك مصفدينا
وامرؤ القيس الا يتحدث عنهم اذ يقول
الا يا عين بكي لي شنينا
و بكي لي الملوك الذاهبينا
ملوك من بني صخر بن عمرو
يساقون العشية يقتلونا
فلو في يوم معركة اوصيبوا
ولكن في ديار بني مرينا
ولم تغسل جماجمهم بغسل
ولكن في الديار مرملينا
تظل الطير عاكفة عليهم
وتنتزع الحواجب والعيون
ولماذا يتحمل امرؤ القيس وهو اصغر اخوته واجب الاخذ بثار ابيه
يروى ان حجر قبل ان يسلم انفاسه الاخيرة كتب وصية دفع بها الى رجل وطلب اليه قائلا
اوصلها الى ولدي نافع -وهو اكبر اولاده فان بكى او جزع اله عنه و استقرهم واحدا واحدا
حتى تاتي امرا القيس
وكان اصغرهم فايهم لم يجزع فادفع اليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيتي
اما ولده الاول فاحذ التراب ووضعه فوق راسه نادبا باكيا وتبعه جميع اخوته في ذلك ما عدا امرا القيس
وجده الرجل حامل الوصية يلعب مع رفيق له بالنرد فواجهه قائلا
قتل حجر فلم يلتفت اليه وامسك نديمه فقال له امرؤ القيس اضرب فاضرب حتى انتهى فقال ما كنت لافسد عليك دستك
ثم سال الرسول عن امر ابيه فاخبره فقال الخمر على و النساء حرام حتى اقتل من بني اسد مائة
و اجز نواصي مائة
وفي رواية اخرى انه قال ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا امر
ثم انشد قائلا
خليلي لا في اليوم مصحى لشارب
ولا في الغد اذ ذاك ما كان يشرب
ثم قيل انه بعد هذا شرب سبعا فلما صحا الى ان لا ياكل لحما و لا يشرب خمرا ولا يدهن بدهن
ولا يعيب امراة حتى يدرك بثاره فلما جنه الليل راى برقا فقال
ارقت لبرق بليل اهل
يضيئ سناه باعلى الجبل
اتاني حديث فكذبته
بامر تزعزع منه القلل
بقتل بني اسد ربهم
الا كل شيئ سواه جلل
فاين ربيعة عن ربهم
واين تميم واين الخول
الا يحضرون لدى بابه
كما يحضرون اذا ما استهل
ويدرك بني اسد فيقتل منهم عددا وافرا فيحلل لنفسه الخمرة كما يقول بعد ان يصف احتدام العراك
حلت لي الخمر وكنت امرءا
عن شربها في شغل شاغل
و نحن اذ نؤكد على التاريخ ندير حديثه على بعض اخبار الشاعر الضليل نريد ان يعرف شعر الشاعر بمرحلتين
كان اثرهما عظيما في انتاج اتفق انه كان طليعة الشعر العربي القادر
اما المرحلتان هما
مرحلة الشباب والمرحلة التي سبقت مقتل ابيه وفيها ما فيها من حياة لهو و تشرد
والمرحلة الثانية و فيها ما فيها من مسؤولية و تطواف بعيد طلبا للثار
وطبيعي ان يكون الشعر في هاتين المرحلتين قد جاء نتيجة لما في هذه المرحلة وتلك من تمرس في بالحياة
و معاناة بكل دقائقها الخفية
و اذ نلتفت الى حياة الشاب الاهي نجد صورا حية لفتى عاش على هواه و استبد به الطيش فاغضب ابيه الملك
القوي فهدده و تنكر له و ابعده عن رعايته في بيته
ماذا يقول في طيش شبابه وهو يتذكر طفولته يوم كان في العشرة من عمره مرخي المئزر هزيل الجسد
و الحلق في اذنيه و هي طفلة صغيرة مثله تلهو بلعب الصغار
عهدتني ناشئا ذا غرة
رجل الجمة ذا بطن اقب
اتبع الوادان ارخي مئزري
ابن عشر ذا قريط من ذهب
وهي اذ ذاك عليها مئزر
ولها بيت جوار من لعب
والايام الصالحة الاخر ماذا من حديثها
الا رب يوم لك فيهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
واي يوم هذا اليوم يشدد على صلاحه امرؤ القيس و يؤكد
مر بدارة جلجل وهي موضع فيها غدير ماء فشاهد نسوة قد سترن عريهن الماء و ثيابهن عند ضفاف
الغدير فاختطف ثيابهن وما رضى ان يعيدها الا اذا تلقى وعدا بان يمضي معهن نهارا جميلا و كان له ما
اراده
فعقر ناقته و عادوا جميعا يحملون ما كان على ظهرها
فيوم عقرت للعذارى مطيتي
فيا عجبا من كورها المتحمل
و ينتقل ليتحدث عن حبيبته فاطم فهل كانت احدى الفتيات المستحمات
افاطم مهلا بعض هذا التدلل
و ان كنت قد ازمعتي صرمي فاجملي
اغرك مني ان حبك قاتلي
و انك مهما تامري القلب يفعل
وان تك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وما ذرفت عيناك الا لتضربي
بسهميك في اعشار قلب مقتل
هذا بعض من مرحلة الشباب و اللهو وهو على قلته معبر صادق ينم عن تجربة و يطلع عن قدرة و خلق
شعر رفيع
وبعد ماذا من حديث المرحلة الثانية مرحلة الضياع سعيا وراء ثار عز النصر فيه
هاهو طريد سرقت ابله فاراد بنو نبهان ان يعرضوا عليه بمعزى يحلبها فيقول قانعا و انما
يقول بمرارة ظاهرة
الا ان لم تكن ابل فمعزى
كان قرونها جلتها العصي
اذا ما قام حالبها ارنت
كانها الحي بينهم نعي
تروح كانها مما اصابت
معلقة باحقيها الدلي
فتوسع اهلها اقطا و سمنا
و حسبك من غنى شبع و ري
وتخذله القبائل و يامل عونا في بلاد الروم فيسافر الى بيزنطية لعل القيصر يعطف عليه ويمده بقوى يهزم بها اعداءه فيشفي غليله و يؤدي امانة الاخذ بالثار
الى بلاد الروم اذ ينطق
بسير يصير العود منه يمنه
اخو الجهد لا يلوي على من تعذرا
وهل طال الطريق ام قصر وهل ظلت الغاية اقوى في نفسه من المخاطر تتعرضه ومن المدى يطول و يمتد
بكى صاحبي لما راى الدرب دونه
و ايقن انا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك انما
نحاول ملكا او نموت فنعذرا
لقد انكرتني بعلبك و اهلها
ولابن جريح في قرى حمص انكرا
اذا نحن سرنا خمس عشر ليلة
وراء الحساء من مدافع قيصرا
اذا قلت هذا صاحب قد رضيته
وقرت به العينان بدلت اخرا
كذلك جدي ما اصاحب صاحبا
من الناس الا خانني و تغيرا
وهكذا يطوف به السرى بعيدا و تظل ارادته في شبوب الموتور ويتنكر له اصحابه فلا يني ولا يضعف
ويعود دون ان يلبى الى طلبه و في سفح جبل عسيب و هو عائد تحين منيته
ويقال انه وجد قبر امراة من بنات الملوك هناك فاقام عنده وهو ينشد
اجارتنا ان المزار قريب
واني مقيم ما اقام عسيب
اجارتنا انا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيب
و هكذا يختفي صوت شاعر كبير حملته التجربة اروع احداثها و دفعته ليظل صوته منذ جاهلية العرب يندفع خالدا مجلجلا وحسب التجربة فخرا انها اطلعت على لسان الجاهلين شعرا محملا بالعبق الطيب من عناوينه الكبار شعر امرؤ القيس وفي هذين البيتين له الدليل الشاهد
قال الشاعر او الملك الضليل معرفا بدوره
فلو انني اسعى لادني معيشة
كفاني و لم اطلب قليل من المال
ولكنما اسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل امثال[center]