سيكتب التاريخ يوماً
لسنا نعرف حقبة زمنية مثخنة بالجراح والهزيمة مرت بالأمة المسلمة كهذه الحقبة الزمنية المعاصرة التي ألمّت بأمتنا الثكلى
وحتى إبّان العصور الدامية, بدءً من هجمات التتار الأوباش, ومروراً بحملات الصليبيين الأنجاس, وانتهاءً بتدميرالخلافة العثمانية
لم يشهد العالم الإسلامي ما يشبه وضعه المعاصر, من الإهانة والإذلال على يد أعدائه
فمن يُصدِّق أن تُحتلَ العراق, وقبلها أفغانستان, وقبلهما فلسطين والشيشان والفلبين وكشمير , ولا تجد في المسلمين من يستنكر بصدق, فضلاً أن يجيش جيشاً, أو يُحرّك جنداً
إذاً سيكتبُ التاريخُ يوماً أنّ فلسطين الحبيبة, والقدس الشريف, والأقصى المبارك, ظلت تئن تحت أقدام اليهود منذ ما يربو على خمسين عاما؛ً بينما المسلمون يلعبون الكرة, ويتنافسون للصعود إلى نهائيات كأس العالم
وسيكتب التاريخ يوماً أنّ العراق يذبح من الوريد إلى الوريد, وتُقطع أوصاله, وتُصادر خيراته, وتُرّملُ نساؤه, بينما الجماهير الرياضية تملأ المدرجات بحثاً عن الانتصارات الزائفة والبطولات الكاذبة
وسيكتبُ التاريخ يوماً أنّ أفغانستان الأبيّة تُدمر حجراً حجراً ، وتُدك قرية قرية, بينما شباب الأمة المغفل يحمل الرايات الملونة، والأعلام البراقة
وسيكتبُ التاريخُ يوماً أنّ شيشان البطولة والمجد, تستباح خضراؤها, وتنتهك حرماتها, وتمزق أشلاؤها على يد الدب الروس الغاشم, بينما شباب الأمة يملأ غرف الشات و والبالتوك يصطاد الغافلات الساذجات, ويبحث عن الماجنات
وسيكتبُ التاريخُ يوماً أنّ المئات والآلاف من الشرفاء, يملأون سجون غوانتناموا و أبو غريب فيُوجعون ضرباً، ويُشبعون لكماً، ويقتلون قهراً، ويُهان كتاب ربهم أمام أعينهم ويسخر بنبيهم – عليه السلام – تحت مسامعهم.. بينما شبابُ الأمة يذرع الأسواق، وتزدحم به الملاهي وعُلب الليل, ودور السنيما، وصالات المسرح, ويتابع الفضائيات الماجنة, ويعشق الصور المحرمة, والمناظر الداعرة, وتصك آذانه الأغاني الهابطة، والموسيقى الصاخبة الآثمة
سيكتب التاريخُ يوماً أنّ اسرى كوبا وأبو غريب يمارس معهم كلّ أنواع الإيذاء الجسدي والنفسي, وتُقدم لهم ألوانُ الإهانة والإذلال, وفنونُ التركيع والاستبعاد؛ بينما الإعلام العربي والإسلامي مشغول حتى النخاع, بتقديم أنواع وأشكال من الإسفاف الخلقي
ولم تتجرأ وسيلةٌ إعلاميةٌ - حتى الآن- على تبني قضيتهم, أو نقل معاناتهم, فقد طغت أخبارُ الممثلات والراقصات, ولاعبي الكرة وأبطال الرياضة على صفحات الجرائد, واستولت على ساعات البث
وسيكتبُ التاريخ يوماً أنّ جماً غفيراً من أدعياء العلم وطلابه, لا هم لهم إلا التصنيف والتزييف, أو الركض خلف الرُتب والمناصب, دون أن يتبنوا للمسلمين قضية, أو يرفعوا للمنكوبين رأساً, أو يصدعوا بحق, أو يبطلوا باطلاً
وسيكتبُ التاريخ يوماً أنّ منابر الجُمع, قد خرست عن تبني قضايا الأمة المصيرية, أو تعاطي المسائل الحيوية, أو تسليط الأضواء على جراحات الأمة ، ومواجعها في أصقاع المعمورة
أخبروني بربكم, من ابنُ أبيه ذاك, الذي يجرؤ على تذكيرنا – ولو عرضاً – في تضاعيف خطبته عن مجازر الأعداء في أفغانستان والعراق أو الشيشان وفلسطين؟
ومن ابنُ أبيه ذاك الذي يُنبئنا عن أسرانا في سجون الغرب, حتى غدونا والله عاجزين عن إدراك ملامح هويتهم أبشر مسلمون هم؟ أم كائنات من عالم آخر, لا كرامة لهم ولا شعور, ولا بواكي لهم ولا أنصار؟
اللهم نشكو إليك جلد المنافق, وعجز الثقة ، وقلة ذات اليد , وجور ذي الطغيان
ولا نملك ختاماً إلا نقول: صبراً مجاهدي الأمة وأسراها؛ فإنَ موعدكم الجنة