السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و بعد
أهنئك بالتوفيق إلى التوبة، والعودة إلى الله، فإنها نعمة جليلة، ومنة كبيرة، يعطاها القليل، ويحرمها الكثير، وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً منيبين إليه، متوكلين عليه.
أخي الكريم:
مصطلح (الالتزام) بالمعنى المعروف مصطلح حديث، لا يعرف في الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح لذلك عدلت عنه إلى الاسم الشرعي فهو خير، وأحسن معنى.
إن الاهتداء إلى الاستقامة يعني في مفهومنا اليوم أن يكون المرء مقصراً في حق ربه، تاركاً لكثير من الواجبات، مرتكباً لكثير من المعاصي والسيئات، كحلق اللحية، وإسبال الثوب، وشرب الدخان، وسماع الأغاني، والتفريط في صلاة الجماعة، وربما التفريط في الصلوات أو بعضها.
فإذا ما التزم (قصر ثوبه، وأطلق لحيته، وحافظ على الجماعة والنافلة، وصاحب من هم على هذه الطريقة) ولا شك أن التوفيق إلى لزوم الهدي النبوي في اللباس والهيئة، والحفاظ على الصلاة أنه من أعظم المنن والمنح الربانية لعبده، ولكن..
لكن هناك أمور هي من الأهمية بمكان عظيم، ومع ذلك يغفل عنها كثير من الناس لذا أجدها فرصة لألفت انتباهك إليها، حتى تكون الاستقامة على ما يحب ربك ويرضى:
1- الاستقامة لا بد أن تكون على ما أمر الله به عبده كما قال تعالى (فاستقم كما أمرت) وعلى هذا فلابد أن تعرف ما أمرك الله به وأمرك به رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تستقيم عليه، ومعنى هذا أن تقبل على تعلم دينك، ومعرفة أحكامه، و(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
2- أعظم ما أوجب الله عليك هو توحيده بأن تفرده بجميع أنواع العبادة، من دعاء، واستعاذة، واستغاثة، ورجاء، وتوكل، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، القولية والفعلية.
والتوحيد له شعب كثيرة فيجب عليك أن تبذل عنايتك بتعلمه والتفقه فيه وخير ما ألف في توحيد الألوهية كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
3- أعظم ما نهاك الله عنه الإشراك به، بأن تصرف شيئاً من العبادة لغيره، فمن صرف منها شيئاً لغيره من ملَك أو رسول فمن دونهما خرج من ملة الإسلام، وإن لقي الله على ذلك لقيه بالذنب الأكبر الذي لا يغفر والعياذ بالله قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
واعلم أن هذا الشرك لا يزال منتشراً في البلاد الإسلامية، لقلة التنبيه عليه، وكثرة الدعاة إليه، والمروجين له، والله المستعان.
4- تذكر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاحرص أن تكون من الفرقة الناجية، واعلم أن كل الفرق تدعي أنها الناجية، وكل منها يستدل بآيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنة النبوية، ولكن الفرقة الناجية الحقيقة هي التي استمسكت بالكتاب والسنة ومنهاج الصحابة رضوان الله عليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الفرقة الناجية (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) فهذا هو الميزان الذي يكشف عنك غمة الحيرة والاضطراب عند تضارب الأقوال.
5- ستسمع من بعض الشباب (الملتزم) الطعن في الحكام، والانشغال بمعايبهم، ومساوئهم، وإثارة القلوب عليهم، فاعلم أن هذا منكر، وأنه يجر إلى عواقب وخيمة، وفي هذا من النصوص النبوية وكلام الصحابة والسلف الصالح والعلماء الربانيين ومن آخرهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله الشيء الكثير.
6 - ستسمع بعض الشباب (الملتزم) يطعنون في كبار العلماء، بدعوى أنهم علماء سلطة، ومداهنون، ولا يصدعون بالحق، وأنهم لا يتكلمون في القضايا الكبرى التي تهم الأمة، ونحو ذلك من الصفات التي تنفرك عنهم، فاعلم أن هذا من أعظم المنكرات، فالعلماء لا يذكرون إلا بالجميل، ولا يساء بهم الظن، لأن القدح فيهم ينفر عنهم وعن علمهم وبذلك يحصل الشر إذ الأمة لا تستغني عن العلماء في معرفة دينها فإذا أبغضت العلماء قادها الجهال فأفسدوا الفساد العظيم.
8- ستجد في التسجيلات (الإسلامية) كثيراً من الأشرطة التي تعتني بـ(القصص)، وأخرى بالأناشيد التي يسمونها (الأناشيد الإسلامية) ، وأشرطة مرئية (للمسارح والتمثيليات الإسلامية) وهذه الأنواع كلها ليست من هدي السلف الصالح، بل أنكروها، وعابوها، وذموها أشد الذم، ورخصوا في سماع القصائد الخالية من المحاذير _ وهي كثيرة_ ومنها ألا تكون ملحنة على قوانين الأغاني.
9- تنتشر في الساحة جماعات (دعوية) كثيرة منها جماعات صوفية، تنشر الجهل بين المسلمين، حيث يأخذون الجاهل فيخرجون به يسيحون في الأرض أياماً أو أسابيع أو شهور يدعو إلى الله بزعمهم وهو لا يعرف من الدين شيئاً.
وأخرى سياسية تهييجية هم أحفاد الخوارج وأذنابهم، يربون الشباب تربية سرية عبر حلقات تربوية تجتمع في البراري والاستراحات وغيرها، يكون لكل مجموعة (قائد) أو (مربي) يسوسهم ويأمرهم وينهاهم، يثيب من يطيعه، ويعاقب من يعصيه، تعزل أفرادها عن الأسرة وعن المجتمع لا سيما في أوائل سنوات المراهقة، حتى يكون طوع يدها توجهه حيث شاءت.
فاحذر هذه الجماعات، واستقم على دينك، وكن باراً بوالديك وأهلك، وأقم الصلاة، واعبد ربك، واطلب العلم، والتزم بطاعة ولاة أمرك في المعروف، واحذر كل تجمع مشبوه تحيطه السرية، والبرامج التي لا تقرها الفطرة السليمة.
10- أوصيك بالعناية بعلماء الأمة الكبار، كسماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية، والعلامة عبد الله الغديان، والعلامة صالح اللحيدان، والعلامة صالح الفوزان، وأمثالهم من علماء أهل السنة، واحذر من الأشرطة الفكرية، التي يصدرها كثير ممن يعرف بـ (دعاة الصحوة) والذين يكثرون من الخوض في القضايا السياسية والفكرية، بدعوى (فقه الواقع) فالعلم فيها قليل، والضرر فيها كثير.
...............................
وختاماً:
أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد، والهداية إلى سبيل الحق والرشاد، كما أسأله أن يوفق ولاة أمور المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك وأهله، وأن يظهر السنة ويعلي منارها ، وأن يقمع البدع وأهلها الدعاة إليها، إنه سميع قريب مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلم فضيلة الشيخ / علي بن يحي الحدادي حفظه الله تعالى ونفع به ،،،